صرّح أكثر من مسئول مصري، بما فيهم المستشار مُقبل شاكر، نائب رئيس ما يُسمى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، أن الحكومة لن تسمح لمُراقبين دوليين بمُراقبة الانتخابات المصرية البرلمانية، التي ستتم في خلال أسابيع. وكرر السيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، وأحد أقطاب الحزب الوطني، نفس الشيء ـ أي رفض الرقابة الدولية على الانتخابات.
ويقول هذان المسئولان، تبريراً لذلك، أن:
1ـ مثل هذه المُراقبة تُعتبر "تدخلاً في شئون مصر المحلية".
2ـ أن مصر لديها مجلس قومي لحقوق الإنسان، وأنه كفيل بأن يقوم بمُهمة مُراقبة الانتخابات خير قيام.
3ـ أن "الدول المحترمة"، لا تستدعي ولا تسمح بمثل هذه المُراقبة.
ولكن هذه المُبررات الثلاثة التي يسوقها أقطاب النظام المُتحكِم في مصر، لا يُصدقها أحد، لا في الداخل، ولا في الخارج. بل ويُجزم كثيرون، أن أقطاب النظام الذين يُرددون هذه المُبررات، هم أنفسهم يعرفون أنهم "يكذبون"، وأنهم يكذبون "كذباً فواحاً". هذا فضلاً عن أن كلاً من المُبررات الثلاث المذكورة أعلاه مردود عليها بالآتي:
1ـ أن مصر الرسمية، أي الدولة، قد دُعيت عدة مرات للمُشاركة في مُراقبة انتخابات بُلدان أخرى، قريبة وبعيدة، مثل السودان، وجنوب إفريقيا، وباكستان، وفلسطين، فهل اتهم أحد في هذه البُلدان مصر بالتدخل في شئونها؟
2ـ أما القول بأن مصر لديها "مجلس قومي لحقوق الإنسان"، وأنه يكفي للقيام بمُهمة مُراقبة الانتخابات على خير وجه، فمردود عليه بأن أعضاء هذا المجلس يتم تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية. أي أن السُلطة التنفيذية هي التي تختارهم. لذلك هناك هواجس كبيرة من الشكوك في حيادهم وموضوعيتهم. ثم أنه حتى لو لم يكن هناك مثل هذه الشكوك، فما الذي يُضير مصر أن تقطع الشكوك باليقين، فتدعو، أو تسمح لمُراقبين دوليين بأن يأتوا إلى مصر، ولو عملاً بالقول المأثور "زيادة الخير خيرين"!
3ـ أما القول بأن "البلاد المُحترمة" لا تسمح لمُراقبين دوليين بمُراقبة انتخاباتها، فإنه ينطوي لا فقط على كذب فواح، ولكن أيضاً على جهل فاضح بمعنى "الاحترام"، وبحقائق الأمور في البُلدان الديمقراطية. فهذه الأخيرة ـ مثل الهند وبريطانيا والولايات المُتحدة، هي بُلدان مفتوحة لكل من يُريد الذهاب إليها، ومُراقبة أي شأن من شئونها، دون حاجة إلى "إذن" أو "دعوة". أكثر من ذلك أن بعضها لا فقط "يسمح"، بل يُشجع من يرغب في مُراقبة انتخاباتهم.
وتحديداً، فإن بلداً مثل الولايات المتحدة، تدعو آلاف المُراقبين من بُلدان العالم الثالث، ومنهم مصر، خلال مواسم الانتخابات الأولية والنصفية (أي كل سنتين) لمجلس الشيوخ والنواب، والانتخابات الرئاسية.
وأكثر تحديداً، فإن هناك حوالي خمسين مصرياً، من منظمات المجتمع المدني المصرية، تمت دعوتهم لمُراقبة الانتخابات الأمريكية، التي ستتم في الأسبوع الأول من نوفمبر 2010.
والسؤال للأخ المستشار مُقبل شاكر، كيف يُصنّف الولايات المتحدة؟ هل هي ضمن "الدول المُحترمة"؟ أم لا يزال بينها وبين بلد مُحترم، مثل مصر، مسافة طويلة، لا بد أن تقطعها، قبل أن تتوقف أو تكف عن دعوة مُراقبين أجانب لمُتابعة انتخاباتها؟ فليت المستشار مُقبل شاكر يجود علينا بفتوى قانونية انتخابية حول موضوع "الاحترام" هذا، وما إذا كانت أمريكا "بريئة" منه، أو "مُدانة به"!
إن ترديد مسئولين مصريين لرفض الرقابة الدولية في الانتخابات البرلمانية القادمة، هو مُقدمة لرفض هذه الرقابة في الانتخابات "الرئاسية"، المُقرر لها نوفمبر 2011، وربما هذا هو بيت القصيد، مع احتمالات ما يُسمى بالتوريث. وفي الحالتين لا بد أن هناك نوايا مُبيّتة على "التزوير" أي على اختطاف أو سرقة الانتخابات وإعطائها لغير مُستحقيها.
وفي لقاء أخير لمجموعة من النشطاء المصريين في الولايات المُتحدة، وبحضور ناشطين من مصر، أحدهما وائل نوارة من حزب الغد، ومحمود علي، الصحفي بصحيفة حزب الوفد. وكانت مسألة الانتخابات القادمة في مصر هي محور لقاءاتنا بهم وبمنظمات أمريكية مُتخصصة في مُراقبة الانتخابات ـ مثل المعهد الديمقراطي الأمريكي (NDI) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI). وشارك في هذه اللقاءات من الناشطين المُقيمين في واشنطن كل من مختار كامل، نائب رئيس ائتلاف المنظمات المصرية في أمريكا الشمالية، وأمين محمود، سكرتير الائتلاف والطبيبين عادل كبيش، ودينا درويش، وطارق خليل، عضو مجلس أمناء الائتلاف وعُمر عفيفي، المتحدث الرسمي باسم الائتلاف.
وكان هناك إجماع على نقطتين. الأولى، هي الأهمية القصوى للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة ـ في نوفمبر 2010 و2011، على التوالي. والثانية على أهمية مُراقبة تلك الانتخابات محلياً ودولياً كشرط للإقرار بشرعيتها من عدمه.
وتساءل بعض المُشاركون: بما أن احتمالات تزوير الانتخابات قائمة لا ريب فيها، فهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى انتفاضة شعبية رافضة ـ مثلما حدث في أوكرانيا منذ عدة سنوات، أو مثلما حدث في إيران عام 2009؟
وانقسم المُشاركون حول الإجابة، رغم أن الأغلبية عبّرت عن تمنياتها أن يحدث ذلك، حتى تكون نهاية نظام مُبارك.
وكان ضمن من رجّحوا حدوث مثل هذه الانتفاضة أحد الضيفان الوافدان من مصر، وذكر في حيثيات هذا الترجيح، تصاعد عدد مرات الاحتجاجات الشعبية على تجاوزات السُلطة، وخاصة عدم تسامح الناس مع تجاوزات واعتداءات رجال الأمن على المواطنين.
أكثر من ذلك أطلع الضيفان زملائهم على ملامح اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون الجمعيات والمؤسسات، والذي يُحكِم قبضة السُلطة التنفيذية لا فقط على التصريح بإنشائها، ولكن أيضاً على كل شئونها الداخلية، وتحريم وتجريم أي أنشطة عامة خارج الإطار "الخيري" البحت. فلا اجتماعات عامة، أو إبداء رأي، أو مُراقبة مؤسسات الدولة، أو الانتخابات. باختصار تحاول تلك اللائحة أن تقضي على البقية الباقية من حُرية المجتمع المدني، التي تقلّصت كما لم يحدث منذ عام 1840، وهو تاريخ إنشاء أول جمعية أهلية. ويبدو أن خوف الحكومة من الشعب ليس له حدود. وهي بالتالي تُريد أن تُخيف الشعب، وتجعل من مصر جمهورية خوف، لا مثيل لها منذ حُكم قراقوش.
فلا حول ولا قوة إلا بالله